أحمد يوسف التاي
قُبيل عيد الأضحى المبارك، في يوم 27 سبتمبر وعند الساعة الثانية عشرة ظهرًا أصدرت محكمة الدندر حكمًا على سليمان المتعافي المتهم بالتعدي على محمية الدندر القومية وممارسة الزراعة في مساحة 3800 وقضى الحكم بمصادرة كميات كبيرة من الفحم والحطب إلى جانب تغريمه «4» آلاف جنيه...
وبحكم اهتمامي المتعاظم بهذه القضية القومية التي نشرنا فيها عدة حلقات من تحقيق مثير، تابعت وقتها الأحكام التي صدرت ورصدتها، ولما كانت صحيفتنا «الإنتباهة» موقوفة بقرار سياسي ولأجل غير مسمى بثثت الخبر عبر أحد المراكز الصحافية المتخصصة على أن يتم توزيعه على الصحف ولكن للأسف لم أره ولا في صحيفة واحدة ... ليس مهمًا، المهم أن «الإنتباهة» انطلقت من عقالها لتكون معينًا على طرق القضايا القومية الحساسة، والوقوف مع الحق وضرب أوكار الفساد ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
وتقول آخر المعلومات التي تحصلنا عليها من مصدر مأذون إن المحكمة أدانت المتعافي بشكل واضح عندما تبين لها بالأدلة الدامغة أنه تعدى على أرض المحمية، وثبت ذلك جليًا للمحكة التي أصدرت حكمها، وتوقع المصدر ذاته أن تكون إدارة المحمية قد نفذت الحكم الصادر بوضع اليد، وأشار إلى أن هذا الحكم حتى الآن يمنع المتعافي من ممارسة أي نشاط زراعي أو أي عمل تجاري ما لم تترتب عليه أحكام جديدة من استئناف ونحوه...
تردد على نطاق واسع أن أحد المسؤولين صرخ غاضبًا في وجه بعض المدافعين عن حظيرة الدندر القومية: «إنتو شنو حظيرة الدندر المجنِنِنْا بيها دي، هي كلها فيها أربعة قرود!!»، وهو قطعًا يدري التنوع الحيواني والنباتي والمناخي بها، لكنها كلمات خرجت لحظة غضب حينما وقف البعض ضد أفكاره التي ستحول الحظيرة إلى أرض جرداء بقطع الأشجار وإزالة الغطاء النباتي وتشريد الحيوانات إلى دول الجوار...
خلفية ضرورية
للذين لم يكونوا قد تابعوا من قبل هذه القضية القومية الحساسة التي يُشتم فيها رائحة استغلال النفوذ نورد لهم خلفية بسيطة عن القضية التي تقول حيثياتها الموضوعية: إن المواطن سليمان المتعافي شقيق الدكتور عبدالحليم المتعافي وزير الزراعة ــ وعددًا من المزارعين حصلوا على تصاديق من وزارة الزراعة بولاية النيل الأزرق ــ في عهد «عقار»، ومن هم قبله ــ بممارسة النشاط الزراعي داخل محمية الدندر «القومية» في مساحات واسعة بينما حصل المتعافي علي «3800» فدان في العام «2009»، ومارس نشاطه الزراعي في العام نفسه، وفي العام «2010»، أيضًا، وأوقفت إدارة المحمية نشاطة في العام «2011» واحتجزت آلياته، ودونت في مواجهته بلاغًا بقسم شرطة الدندر، بتهمة التعدي على المحمية وتم حبسه هناك لمدة يوم، وبعد خروجه من الحبس غادر إلى الخرطوم، واستنجد بوزير الداخلية متظلمًا، ثم وزير السياحة الذي خاطب إدارة الحياة البرية، طالبًا السماح له، وإعطاءه مهلة إلى حين الانتهاء من موسم الحصاد بنهاية شهر مارس من العام «2011» وبناء عليه كتب سليمان المتعافي تعهدًا بذلك... المزارعون الآخرون انصاعوا لسلطات إدارة الحياة البرية وخرجوا من حدود المحمية، بينما رهن آخرون خروجهم من المحمية بامتثال شقيق الوزير، وانصياعه لسلطات المنع حسب إفادات مدير المحمية.. المهم الموضوع كبير ومعقد وشائك جدًا فيه بعض الظلال السياسية، وتضارب الاختصاصات الإدارية، والنزاعات الحدودية، فهو أقرب ما يكون لصراع النفوذ بين السياسة والقانون.
يومها طرحنا عدة أسئلة من بينها: هل المتعافي والآخرون ضحايا لصراع قاتل بين الولاية وإدارة الحياة البرية، أم أنهم جناة تجاوزوا القانون تحت مظلة السياسة، وما هي الظلال السياسية في هذه القضية... كل تلك الأسئلة الحائرة قلنا إن الأيام كفيلة بالإجابة عنها فهل أجابت بعد الحكم الصادر بإدانة سليمان المتعافي أم أن الوقت مازال مبكرًا للحكم النهائي؟
في مايو من العام 2012 وبعد جولة ومخاطر ومغامرات وسط الحيوانات المفترسة والمتمردين على الحدود السودانية الحبشية حرصنا أن نستمع فيه لكل أطراف القضية، وقد توقفنا وقتها وتركنا الأمور كلها للقضاء ليقول كلمته، ولم يكن توقفنا إلا استراحة محارب كنا نراقب من خلالها ما يجري في دهاليز المحاكم والنيابات، وها قد انتصر الحق ومكث في باطن الأرض وما كان زبدًا وادعاء فقد ذهب جفاءً.
بلاغ في مواجهة المتعافي
مدير الإدارة اللواء جمال البلة الذي تردد الآن بقوة أنه تم نقله من إدارة المحمية بالدندر تحدث لنا يومذاك قائلاً: فعلاً نحن وجدنا المواطن سليمان إسماعيل يمارس نشاطًا زراعيًا داخل حدود المحمية، وقمنا بفتح بلاغ بقسم شرطة الدندر في مواجهته، وهو قال إنه حاصل على تصديق من ولاية النيل الأزرق وأتى بمساح من هناك، ونحن لم نكن في الصورة ولا نعلم بذلك، والإجراء الطبيعي في مثل هذه الحالة كان يجب عند تسليمه أن يتم إخطار إدارة المحمية وتأتي بإحداثياتها لمعرفة الحدود ما بين المحمية وولاية النيل الأزرق، على أن يتم ذلك وفقًا لقانون المساحة، كل ذلك لم يحدث ومارس نشاطه الزراعي داخل حدود المحمية، لذلك دوّنّا بلاغًا ضده، استنادًا إلى قانون حماية الحياة البرية، وعندما انعقدت محكمة الموضوع بالدندر شطبت تهمة التعدي الجنائي على المحمية مستندة في ذلك إلى شهادة المساح الولائي الذي أقر بأنه سلمه التصديق الصادر عن ولاية النيل الأزرق، يعني هو من ناحية إجرائية غير متعدٍ، بناء على شهادة المساح الولائي، والإجراءات الولائية، لكننا نعلم تمامًا أنه داخل حدود المحمية».
حكومة عقار في ورطة
وخلاصة القول في هذا الجانب، إن سليمان المتعافي الذي أُدين بالتعدي على المحمية في هذه المرحلة يحمل تصديقًا من ولاية النيل الأزرق، وفي رأي إدارة المحمية وبحسب قوانين المساحة القومية والحياة البرية أن هذا التصديق غير قانوني، لأن المحمية شأن قومي وبالتالي لا يحق لأي جهة ولائية أن تبتّ فيه، وليس من اختصاص أي ولاية التدخل في هذا الشأن القومي، وهذا أيضًا ما استندت إليه المحكمة في حكمها الحالي...
ومن المعلوم أن هذه المشروعات الزراعية تأثيرها سالب جدًا ومؤثر على الحياة البرية، والأرض هناك الآن تصحرت بفعل الزراعة والرعي، بعض المزارعين الآن يعمل بإمكانات ضخمة جدًا هناك، ولهم آلات تقتلع الشجرة بكاملها من الجذور، وهناك نشاط مؤثر جدًا..
نفوق الحيوانات البرية
وتقول آخر المعلومات الموثقة لدينا، هناك تعديات كبيرة وكثيرة على المحمية، غير الزراعة، فهناك القطع الجائر، ويشكل الرعي مصدر تهديد للحياة البرية، فهناك كثير من رعاة الأبقار والأغنام والماعز ينتهكون حدود المحمية، ويردون بحيواناتهم إلى «البرك والميع» داخل المحمية، وهذه المواشي والأغنام ساعدت في نقل كثير من الأمراض للحيوانات البرية الأمر الذي أدى إلى نفوق المئات منها، وهذا الأمر يشكل تهديدًا خطيرًا للحياة البرية لأنه سيؤدي إلى انقراض نوع أو أنواع معينة من الحيوانات، هذا فضلاً عن نشاط صناعة الفحم داخل حدود المحمية، وظاهرة التعدي بالقطع للفحم وهناك قطع للأشجار قامت به الشركة العربية موثق لدى إدارة الحياة البرية هناك وقد تم ضبطه.
ظلال سياسية
بعد حبس المتعافي بقسم شرطة الدندر وإطلاق سراحه ذهب إلى وزارة السياحة، وأتى بخطاب من وزير السياحة السابق «الدكتور بابكر نهار» يطلب فيه الوزير السماح له بممارسة نشاطه حتى مارس2011 على أن يكتب تعهدًا بالانسحاب.
نهاية المهلة باعتبار أنه خسر أموالاً في الإنشاءات وكذا، وفعلاً كتب التعهد بالانسحاب، ولم يفعل، وبناء على ذلك وجهت إدارة المحمية عساكرها بعدم السماح له بالزراعة نهاية المدة المحددة، وأنذرته بالإخلاء، والجدير بالذكر أيضًا أنه حصل على تصريح مؤقت العام الماضي لمزاولة الزراعة.
أهمية المحمية
تقع على الحدود السودانية الإثيوبية بين خطي عرض 12 26 N and 12 42 N وخطي طول.34 48 E, 35 02 E تم إعلان محمية الد ندر كمحمية قومية قي بواكير 1935م وتقدر مساحتها بـ 10288 كيلو مترًا مربعًا وتبعد المحمية عن الخرطوم مسافة 300 ميل مربع ويمكن للزائر الوصول إليها برا. وتستغرق الرحلة بالعربات ثماني ساعات حتى محطة القويسي، ومن ثم
مواصلة الرحلة للمحمية لفترة لا تزيد عن الأربع ساعات وهي تتبع لولاية سنار ويجري نهرا الرهد والدندر وهما موسميان «في الفترة من شهر يوليو حتى نوفمبر» وخلال عبورهما للحظيرة يصبان في بعض البرك ««pool التي تعرف بالميعات وهي الأماكن التي تحتوي على الماء في فترة جفاف الأنهار مثل ميعة عين الشمس وميعة عبد الغني وغيرها
من أماكن ورود الماء للحيوانات. يوجد في المحمية تنوع نباتي وحيواني كبير، وتتيح للسياح أجمل لحظات الدهشة والمتعة باكتشاف أعظم ممكلة للحيوانات والطيور قي إفريقيا شمال خط الاستواء. وتعتبر الفترة من يناير حتى أبريل من أفضل الفترات لزيارة المحمية ذات الموقع الفريد حيث تغطيها السهول ذات الحشائش والنباتات والأدغال.
بجانب البرك والبحيرات وملتقيات الأنهار مما يخلق مناخًا مناسبًا لتكاثر الحيوانات، وإتاحة الفرصة للسياح لاكتشاف ثراء الطبيعة البكر.
ومن أهم الحيوانات التي توجد بمحمية الدندر الجاموس الإفريقي ووحيد القرن، والأفيال. وظبي القصب البشمات وظبي الماء. والكتمبور، والزراف، التيتل النلت، والأسود والضباع. والنمور. والحلوف. وأبوشوك، والقط أبو ريشات النسانيس والغزلان وغيرها من الحيوانات الصغيرة.
أما فيما يتعلق بالطيور فمن أهم الأنواع التي توجد بمحمية الدندر: دجاج الوادي، نقار الخشب، البجع الأبيض، أبوسعن الغرنوق الرهو، النعام وغيرها.
وتم تسجيلها بالشبكة العالمية للمحميات في العام، 1979 ويوجد بها 27 نوعًا من الثدييات الكبيرة 360 نوعًا من الطيور و32 1 نوعًا من الأسماك والثدييات الصغيرة والزواحف والبرمائيات وهي مسار هام جدًا للطيور المهاجرة بين أوروبا وإفريقيا. هذه الثروة معرضة الآن للانقراض.