بقلم أحمد يوسف التاي/جعفر باعو
فيضان نهر الدندر ...هؤلاء قتلوا أحلام البسطاء
أيدي خفية تعبث بمجرى النهر،وآليات الحفر الثقيلة هي المتهم الأول
(350) مليارخسائرالمزارعين من الفيضان في العامين السابقين،ولا تعويض
وزيرالتخطيط ومعتمد الدندريقران بأن ماحدث بفعل فاعل،وخبير سدود يدعو للمحاسبة
شهد العام الماضي فيضان لم يسبق له مثيل في تاريخ منطقة الدندر حيث فاض نهرها الوديع كما لم يفض من قبل وقُدرت خسائر الفيضان في المحاصيل البستانية والحقلية والمشاريع الزراعية الكبرى العام الفئت حوالي أكثر من (200) مليار جنيه هذا إلى جانب إنهيار أكثر من (20) ألف منزل وتشريد (7028) أسرة وتدمير الطرق الرئيسة بالكامل ونفوق المواشي والحيوانات البرية بمحمية الدندر القومية .. وقتها تعطلت الحياة وأصابها الشلل الكامل وأنقطعت مناطق الإنتاج الزراعي تماما عن الأسواق ، وتدافعت المنظمات الطوعية والجهود الرسمية والشعبية لإنقاذ مايمكن إنقاذه ... الحكومة المركزية تجاهلت حجم الكارثة وأسبابها ومعالجتها ووعدت بالمعالجات الجذرية وتبرعت بـ (11) مليار جنيها لردم الطريق الرئيس وعمل جسورإلا أنها لم تف بماوعدت ولم تعوض خسائر المزارعين المدمرة ولو قليلا، حتى جاء موسم الفيضان الثاني وتكررت ذات المأساة هذا العام وبلغت خسائر مزارعي الخضر والفاكهة وحدهم أكثر من (60) مليار جنيه بعد أن غمرت المياه مساحات واسعة على ضفتي النهر... بعد تكرار الكارثة هذا العام ولما لم يكن الفيضان مألوفا بهذا الشكل المدمر وعلى نحو لم يسبق له مثيل ، ولما كانت مأساته ومترتباته فاقت حد التصور ، كان الأمر مدهشا للجميع ، وكانت أسئلة الناس في الشارع لا تنقطع عن أسبابه غير المألوفة والأيدي الخفية التي تعبث في مجرى النهر، وفيما يرى البعض أن عملية تعلية سد الروصيرص هي السبب الرئيس ، يرى آخرون أن سد العطشان الواقع شرق الدندر ونتيجة لأخطاء فنية بالسد هي التي تسببت في الفيضان المدمر وغير المألوف لهذا النهر الذي ظل وديعا منذ أن أوجده الله على هذه البسيطة، غير أن أخرون يرون أن السبب هو إغلاق سد دوبا في حين يقول البعض أن هناك كسورات حدثت بواسطة مزارعين مقتدرين في نهر الرهد عن طريق كسر ضفة نهر الرهد لري مساحات واسعة عن طريق الري الفيضي دون علم وزارتي الزراعة والري والسدود وعند حدوث هذه الكسورات تتدفق مياه الرهد في مصب (الدندر) وتحدث دمارا هائلا في المزارع والحقول والمشاريع الزراعية الكبرى خاصة وأن المنطقة تمتاز بأراضي خصبة وشاسعة ومنبسطة وبعضها منخفض مما يزيد من الخسائر ... هذه الأحاديث ظل يلوكها الناس في الشارع ويزيدون عليها ما شاء الله لهم أن يزيدوا ... ولسبر غور المشكلة، والوقوف على الحقائق قمن بجولة إلى المنطقة ووقفنا ميدانيا على الحقول والبساتين التي غمرتها المياه ، وألتقينا المزارعين ، وأتحاداتهم ، وممثليهم ، والجهات الحكومية ، وخبراء البيئة والغابات لمعرفة ما حدث والأسباب الخفية لماحدث :
× الحكومة لاتعلم :
بدأنا جولتنا بزيارة ميدانية للمناطق المنكوبة ووقفنا على حجم الخسائر، ولعل الصورالتي إلتقطناها من هناك وحدها تتحدث بلغة الفصحاء ، وموضوعية العلماء ، ولكن رغم ما حدث هناك ، كانت حكومة سنار غائبة عن مأساة المزارعين وركزت جهودها على معالجات مؤقته وإسعافية بعمل التعلية على الجسر المتهالك في خور ود الحسن وفقا لإمكانياتها المحدودة ، أما فيما يخص خسائر المزارعين لم نلمس أية جهود أو تحركات رسمية لا على المستوى الإتحادي ولا على الولائي، لتخفيف وطأة الكارثة على المزارعين وتعويضهم بعض الخسائر وما يبدو مدهشا للغاية أن حكومة ولاية سنار ممثلة في وزير التخطيط المهندس الإمام عبد اللطيف أكد لـ (الإنتباهة ) أنه حتى هذه اللحظة لا علم لهم كحكومة بما حدث للمزارعين وأشار إلى أنه حتى الآن لم يُبلغوا لا من إتحادات المزارعين ولا من الدفاع المدني ، بما حدث للمزارعين وأضاف أنه لاينبغي أن يعلموا بما حدث من الصحف فقط ، إلا أنه استدرك قائلا أن مزارعا واحدا فقط هو الذي أبلغه بما حدث لجنينته.
× خسائر فادحة :
رئيس إتحاد الخضر والفاكهة المهندس عثمان عبد الماجد فرج أكد في حديثه لـ (الإنتباهة) أن المحاصيل البستانية التي غمرتها مياه الفيضان هذا الموسم ، شملت الطماطم والقرعيات (بطيخ ، قرع ..الخ..) والبامية ، ومحاصيل اخرى بالإضافة إلى محاصيل حقلية كالسمسم والذرة ووفقا لرئيس الإتحاد نفسه فإن خسائر هذا العام بلغت أكثر من (60) مليار جنيه هذا فضلا عن غرق آلاف الأفدنة من المشاريع الزراعية في مناطق أبقرة والشبعانة وأم عشة، والعزازة ود داموس ، وأشار المهندس عثمان عبد الماجد في حديثه لـ (الإنتباهة ) إلى أن المساحات المزروعة بالمحاصيل البستانية من مانقو وموالح وخضر وفواكه و التي غمرتها مياه الفيضان العام الماضي بلغت (60000) فدان وهذا العام غمرت المياه حوالى ( 40000) ، ووفقا لذات التقديرات فإن الخسائر المادية في المحاصيل البستانية وحدها جراء الفيضان هذا العام والسابق تقارب أكثر من (150) مليار جنيه ، علاوة عن خسائر مادية تبلغ عشرات المليارات في محصولي السمسم والذرة في المشاريع الزراعية.
ويقول رئيس إتحاد الخضر والفاكهة أن أسوأ ما في الفيضانات أنها تأتي في مراحل متقدمة جدا من مراحل الزراعة حيث تحدث هذه الأضرار بعد عمليات الكديب الثاني وفي مراحل الإثمار، ويضيف نحن الآن في حيرة من أمرنا ،لا ندري هل نستمر في الزراعة أم نتوقف إلى حين معالجة هذه المشكلة ، خاصة وأن هذه الكارثة أصبحت تتكرر في نفس الزمن دون أن تجد معالجات ناجعة ، الآن اصبحت هذه المشكلة هاجس يؤرق المزارعين بإعتبار أن ظاهرة الفيضان هذه لم تكن مألوفة على هذا النحو ، مشيرا إلى أن الناس يتحدثون عن وجود أيد خفية تعبث ، واسباب غير معلومة للفيضان، ونرفع الصوت عاليا ونطالب الحكومة بأن تكشف لنا أسباب هذه الفيضانات ، فهل هي بفعل الطبيعة أم أن هناك جهات مسؤولة من ذلك ، فلابد أن تخطرنا الحكومة بالأسباب ، وإمكانية المعالجة حتى لا نتضرر أكثر من ذلك، خاصة وأن الحكومة تأخذ ضرائب على الإنتاج الزراعي وهي المستفيد الأكبر.
× أذى جسيم وخسائر بالمليارات:
ويلفت المهندس عثمان عبد الماجد الأنظار إلى أن أراضي الدندر تعتبر من أفضل الأراضي الزراعية في السودان وتمتاز بدرجة خصوبة عالية ومشهورة بإنتاج الموالح والمانجو والطماطم والليمون ، ومحاصيلها مرغوبة جدا في أسواق الخرطوم وبشاهدة تجار الخضر والفواكهة تعتبرمنتجات الدندر من أجود المنتوجات وخاصة الطماطم والليمون والمانجو.. ويضيف نسمع بأن الأسباب بسبب كسور (مفتعلة) في نهر الرهد ، ولو صح ذلك لابد من التحرك السريع لمعالجتها خاصة أن مثل هذه اللإشكالات لا تأخذ وقتا في الإصلاح فلا بد من تحقيق لمعرفة السبب الرئيس ثم المعالجة الناجعة حتى لا نتأذى في كل عام وتبلغ خسائرنا المليارات .
ويضيف المهندس عثمان أن بعض المزارعين أحجموا هذا العام عن الزراعة خوفا من الخسارة المتوقعة وخوفا مما حدث الآن والعام الماضي ، وأكد رئيس الإتحاد أن هناك مشاكل ومعوقات ترتبت على هذه الكارثة منها أن شركات التأمين الآن ترفض تأمين الزراعة نسبة لهذه المخاطر التي أصبحت مؤكدة سنويا بسبب الفيضان ، وأكد أن الخسائر في محصول الطماطم وحده بلغت هذا العام (20) مليار جنيه ، وأن خسارته وحده فاقت المليار مشيرا إلى أنه في العام الماضي زرع مساحة (140) فدان غمرتها المياه كلها ولم يعوض مثله مثل الآخرين سوى بـ (6) علب طماطم وبعض الشتول ، منبها إلى ضعف الإرشاد الزراعي.
وقال عبد الماجد في ختام حديثه لـ (الإنتباهة) أن المنطقة تعتبرمن المناطق المهمة إقتصاديا ولو أنها زرعت بالموالح والفواكه والخضر على النحو المطلوب لسدة إحتياجات السوق المحلية بشكل أفضل ، وأن تربتها من أفضل انواع التربة بشهادة الدار الإستشارية بجامعة سنار التي أعدت دراسة شاملة بهذا الخصوص ، وهي دراسة لم يعترف بها البنك الزراعي ، ولكن الأيام ستثبت كل ذلك.
× السبب التعرية :
ويؤكد رئيس الجمعية السودانية لحماية البيئة ، الأستاذ محمد علي عبدالله إدريس ، مدير غابات الدندر السابق ، أن ماحدث لنهر الدندر من فيضانات غير مألوفة هذا العام والعام الماضي له اسباب منطقية وعلمية يمكن إجمالها في عدة نقاط أبرزها على الإطلاق هي عملية التعرية التي حدثت للمنطقة خلال الأعوام الماضية بسبب القطع الجائر ، وإزالة الغطاء النباتي ، والتوسع في الرقعة الزراعية دون دراسة وتخطيط سليم وإزالة الغابات ، بذلك تعرضت الأرض للتعرية وكثرت الكسورو الخيران والروافد ، ولما كانت أرض الرهد عالية وبالمقابل كان هناك إنخفاض في أرض الدندر حدثت هذه الكوارث وحدثت كسورات بفعل التعرية لذلك كان طبيعيا أن تفيض مياه الرهد في الدندر ، وأضاف خبير الغابات والبيئة الأستاذ محمد علي أنه من المعلوم والمعروف أن الفيضانات لا تحدث إلا بفعل التعرية بعد إزالة الغطاء النباتي ، ومايحدث الآن أسبابه معروفة بالنسبة لنا ، وقد وجهنا منذ وقت بعيد بضرورة تخصيص مساحات للغابات على ضفاف نهر الدندرومناطق خور ود الحسن وخور العقليين وغيرهما ، وأضاف لا سبيل إلا بحفظ التوازن البيئي.
×شفرة الفيضان:
وحول الأسباب التي أدت إلى فيضان نهر الدندر بهذه الطريقة غير المعهودة هذا العام والعام الماضي كشف المهندس أبو القاسم حسن فضل الله معتمد محلية الدندر عن وجود كسورات (صناعية) بنهر الرهد تصب في نهر الدندر تؤدي إلى زيادة منسوب المياه في في ود الحسن والعطشان وتسبب الفيضانات وهذه الكارثة، وهذا السبب هو ما أشار إليه وزير التخطيط المهندس الإمام عبد اللطيف في حديثه لـ (الإنتباهة ) وأكد أن هذه الكسورات لم تكن طبيعية ، وأنها تمت بفعل فاعل موضحا أن هناك بعض المزارعين لهم صله بأسباب الفيضان بما يقومون به من إحداث بعض الكسورات ، في حين دعا خبير السدود المهندس صديق الضو في حديثه لـ (الإنتباهة) إلى محاسبة من يقومون بمثل هذا النشاط خارج علم الدولة وتراخيصها غير أن المهندس أبو القاسم حسن فضل الله معتمد الدندر قال لـ (الإنتباهة ) أن سعة تخزين الدندر تصل إلى 426 مليارمتر مكعب وعندما تزيد الكمية تفيض وتخرج من مسار النهر، وحول أسباب وجود هذه الكسورات قال المهندس أبو القاسم أن الكسورات تتم بواسطة مزارعين عن طريق كسر جوانب من ضفة نهر الرهد بآليات (بوكلن) وهي آليات ثقيلة تقوم بمهام الحفرلتساعد هذه الكسور في ري مساحات واسعة تزرع قرعيات من بطيخ ونحوه وتسالي ، وأضاف هناك (4) كسورات بالقرب من منطقتي الرميلة وقدورة ، وهذه واحدة من أسباب فيضان نهر الدندر خلال هذا العام والعام السابق ، ومن الأسباب الأخرى التي أدت إلى الفيضان بهذا الشكل هو فيضان خور قلقو القادم من أثيوبيا .
وأضاف المعتمد أن أن وزير السدود المهندس اسامة عبدالله في زيارته الأخيرة للمنطقة وقف على هذه الكسورات ووجه بمعالجتها وقد تمت المعالجة فورا إلا أن هذه الكسورات عادت مرة أخرى
عما إذا كانت عمليات تعلية الروصيرص وسد دوبا لهما علاقة بفيضان الدندر أم لا ، أوضح المهندس أبو القاسم أن سد دوبا ليس له تأثير على الأمر وكذلك تعلية الروصيرص ، وتحدث عن التوطات التي تمت لتلافي الآثار الناجمة مثل قطع الطريق مثلما حدث العام الماضي وأشار إلى عمليات الردم التي تمت وهي ردميات بمستوى كوبري الدندر في مسافة (13) كلم حتى خور ود الحسن ..
في الحلقة القادمة نفتح ملف النزاع بين حكومة سناروالمزارعين حول الشراكة في مشروع الجُزيرة - بضم الجيم - .